فصل: في اختيار العلم والأستاذ والشريك والثبات عليه
ينبغي لطالب العلم أن يختار من كل علم أحسنه وما يَحتاج إليه في أمر دينه في الحال ثم ما يحتاج إليه في المآل.
10
ولا يصح الزهد والتقوى مع الجهل.
وأنشد الشيخ الإمام الأجل برهان الدين صاحب الهداية لبعضهم:
فساد كبير عالم متهتك وأكبر منه جاهل متنسكهما فتنة في العالمين عظيمة لمن بهما في دينه يتمسك
وينوي به الشكر على نعمة العقل وصحة البدن ولا ينوي به إقبال الناس عليه ولا استجلاب حطام الدنيا والكرامة عند السلطان وغيره.
وقال محمد بن الحسن: لو كان الناس كلهم عبيدي لأعتقتهم وتبرأت عن ولائهم ومن وجد لذة العلم والعمل به قلما يرغب فيما عند الناس.
أنشدنا الشيخ الإمام الأجل الأستاذ قوام الدين حماد بن إبراهيم بن إسماعيل الصفاري الأنصاري إملاء لأبي حنيفة رحمه الله تعالى:
من طلب العلم للمعاد فاز بفضل من الرشادفيا لخسران طالبيه لنيل فضل من العباد
اللهم إلا إذا طلب الجاه للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتنفيذ الحق وإعزاز الدين لا لنفسه وهواه فيجوز ذلك بقدر ما يقيم به الأمر بالمعروف )والنهي عن المنكر.(
وينبغي لطالب العلم أن يتفكر في ذلك فإنه يتعلم العلم بجهد كثير فلا يصرفه إلى الدنيا )الحقيرة القليلة الفانية(. )وقال النبي : “اتقوا الدنيا فوالذي نفس محمد بيده إنها لأسحر من هاروت وماروت.(”هي الدنيا أقل من القليل وعاشقها أذل من الذليلتُصِمُّ بسحرها قوما وتُعمي فهم متحيرون بلا دليل
9
وحكي عن الشافعيِّ رحمه الله، أنه قال: العلمُ علمان: علم الفقهِللأديان، وعلم الطب للأبدان، وما وراء ذلك بُلغة مجلسٍ.
وأما تفسير العلمِ: فهو صفةٌ يتحلى بها المذكورُ لمن قامت به.
الفقهُ: معرفةُ دقائقِ العلم مع )نوع علاجٍ(.
قال أبو حنيفةَ رحمه الله: الفقهُ معرفةُ النفس، ما لها وما عليها، وقال:
ما العلم إلاَّ للعمل به, والعمل به: تَرْكُ العاجِل للآجِل.
فينبغي للإنسان ألاَّ يغفلَ عن نفسه، وما ينفعها وما يضرُّها، في أولاها وأخراها، ويستجلبَ ما ينفعُها ويجتنبَ عما يضرُّها، كيلا يكون علمُه وعقلُه وعمله حجةً عليه، فيزدادَ عقوبته، نعوذُ باللهِ من سَخطهِ وعقابه.
وقد ورد في مناقبِ العلم وفضائلِهِ آياتٌ وأخبارٌ صحيحة مشهورةٌ، لم نشتغلْ بذكرها، كيلا يطولَ الكتابُ.
فصل: في النية في حال التَّعلم
ثم لابدَّ له من النية في تعلم العلمِ، إذِ النيةُ هي الأصلُ في جميعِ الأفعالِ، لقوله عليه الصلاة والسلام: “ إنما الأعمال بالنيات “ حديثٌ صحيحٌ عن رسولِ الله .
كَم من عملٍ يُتَصَوَّرُ ِبصورة أعمال الدنيا، ويصيرُ بحسن النية من أعمال الآخرة. وكم من عملٍ يتصوَّر بصورة أعمال الآخرة، ثم يصير من أعمال الدنيا بسوء النية.
وينبغي أن ينوي المتعلم بطلب العلم رضاءَ الله والدار الآخرة وإزالة الجهل عن نفسه وعن سائر الجهال وإحياءَ الدين وإبقاء الإسلام فإن بقاء الإسلام بالعلم.
8
فإن الكبرَ والجبنَ و الإسرافَ حرامٌ، ولا يمكن التحرُّزُ عنها إلاَّ بعلمها ،وعلم ما يضادُّها، فيفترضُ على كل إنسانٍ علْمُها.
و قد صنَّف الشيخُ الإمامُ الأجلُّ الشهيدُ ناصر الدين أبو القاسم ،رحمه اللهُ، كتابًا في: الأخلاق، ونعم ما صنف.
فيجب على كل مسلمٍ حفظها.
وأما حفظُ ما يقعُ في الأحايينِ ففرضٌ على سبيلِ الكفاية، إذا قام به البعضُ )في بلدةٍ( سقط عن الباقين، فإن لم يكنْ في البلدةِ من يقومُ به اشتركوا جميعًا في المأثم.
ويجب على الإمام أن يأمرهم بذلك، ويُجْبِرَ أهلَ البلدة على ذلك.
قيل: إنَّ علْم ما يقعُ على نفسهِ في جميع الأحوالِ بمنزِلَةِ الطعامِ الذي لابدَّ لكلِّ واحدٍ من ذلك، وعلمَ ما يقعُ في الأحايينِ بمنزلة الدَّواء، ويُحتاج إليه في بعضِ الأوقاتِ، وعلم النجومِ بمنزلةِ المرضِ فتعلُّمه حرامٌ لأنه يضُرُّ ولا ينفعُ، والْهرَبُ من قضاءِ اللهِ وقدَرهِ غير ممكنٍ.
فينبغي لكل مسلمٍ أن يشتغلَ في جميعِ أوقاته بذكر الله، والدُّعاء ،والتضرُع، وقراءةِ القرآن، والصدقات، ويسأل اللهَ تعالى العفوَ، والعافية، في الدنيا والآخرةِ ليصونَه الله تعالى عن البلاءِ والآفات.
فإن من رُزِقَ الدّعاء لم يُحْرَم الإجابة، فإن كان البلاءُ مُقَدَّرًا يصبْه لا مَحالة، ولكن يُيسِّره اللهُ تعالى عليه، ويرزُقه الصبر ببركة دعائه.
اللهمّ إلاَّ إذا تعلَّم من النجومِ قدرَ ما يعرفُ به القبلةَ، وأوقاتَ الصلاة ،فيجوز ذلك.
وأما تعلُّم علم الطب فيجوزُ لأنه سببٌ من الأسباب، فيجوز تعلُّمه كسائر الأسباب، وقد تداوى النبي .
7
قيل لمحمد بن الحسن رحمه الله: ألا تصنِّف كتابًا في الزُّهد، قال:
صنفت كتابا في البيوع، يعني:الزَّاهدُ من يتحرَّزُ عن الشبهاتِ والمكروهاتِ في التجاراتِ، وكذلك في سائر المعاملات، والحِرَفِ.
وكل من اشتغلَ بشيءٍ منها يفترضُ عليه علم التحرزِ عن الحرام فيه.
وكذلك يفترض عليه علمُ أحوالِ القلب، من التوكل، والإنابةِ، والخشيةِ، والرضاء، فإنه واقعٌ في جميع الأحوال.
وشرف العلم لايَخْفى على أحدٍ، إذْ هو المختصُّ بالإنسانية، لأن جميعَ الخصالِ سوى العلم يشتركُ فيها الإنسانُ وسائرُ الحيوانات ،كالشجاعةِ، والْجرأةِ، والقوةِ، والجودِ، والشفقةِ، وغيرِها سوى العلم. وبه أظهر الله تعالى فضلَ آدمَ عليه السلامُ على الملائكةِ، وأمرهم بالسجود له وإنما شَرُفَ العلمُ لكونهِ وسيلة إلى البرِّ والتقوى الذي به يستحقُّ الكرامةَ عند الله تعالى، والسعادةَ الأبدية.
كما قيل لمحمد بن الحسن، رحمه الله:
تعلَّمْ فإن العلمَ زينٌ لأهله وفضلٌ وعنوانٌ لكلِّ المحامدِوكن مستفيدًا كلَّ يومٍ زيادةً من العلم واسبَحْ في بحار الفوائدِتفقهْ فإن الفقهَ أفضلُ قائدٍ إلى البرِّ والتقوى وأعدل قاصِد
هوالعَلَمُ الهادي إلى سَنَنِ الهُدى هوالحصنُ يُنجِي من جميع الشّدائد
فإن فقيهًا واحدًا متورعًا أشدُّ على الشَّيطانِ من ألف عابد
وكذلك )يفترضُ العلمُ( في سائر الأخلاق، نحو: الجودِ والبخل ،والجُبن، والجرأة، والتكبُّر، والتواضع، والفقَّه، والإسراف، والتقتير وغيرها ،
6
فصل: في بدايةِ السَّبَق وقَدْره وترتيبه.
فصل: في التوكل.
فصل: في وقْتِ التحصيل.
فصل: في الشَّفقة والنصيحة.
فصل: في الاستفادةِ ) واقتباسِ الآداب.( فصل: في الوَرَع في حال التعلم.
فصل: فيما يُورثُ الحفظَ و)وفيما يورث( النسيان.
فصل: فيما يجلب الرزقَ وما يمنعُه، وما يزيد في العُمر وما يَنقص.
وما تَوْفيقي إلاَّ بالله، عليهِ توكلتُ وإليه أُنيب.
فصل: في ماهيةِ العلم والفقه وفضْله
قال رسول الله : “ طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ على كل مُسْلمٍ ومسلمةٍ “.
اعلم بأنه لا يُفْترضُ على كل مسلمٍ ومسلمة طلبُ كلِّ علم، وإنما يفترض طلبُ علمِ الحال كما يقال: أفضلُ العلمِ علمُ الحال، وأفضلُ العملِ حفظُ الحال.
ويفترض على المسلمِ طلبُ ما يقع لهُ في حالهِ في أيِّ حال كان، فإنه لابدَّ له من الصلاةِ، فيفترضُ عليه علمُ ما يقعُ له في صلاته بقَدر ما يُؤَدِّي به فرض الصلاة، ويجبُ عليه بقدِرِ ما يؤدي به إقامة الواجبِ, لأنّ ما يتوسّل به إلى إقامة الفرض يكون فرضًا, و ما يتوسّل به إلى إقامة الواجب يكون واجبًا.
)وكذلك في الصومِ والزكاةِ إن كان له مالٌ، والحجِّ إن وجب عليه( ،وكذلك في البيوعِ إن كان يتَّجر من التجارة.
5
Достарыңызбен бөлісу: |